من يؤثر علي قراراتنا المالية؟ وما هو دور صناع القرار؟

هل تنتهي مهمة الموارد البشرية عند ايجاد الكفاءات المناسبة؟
ليس بعد! يأتي بعدها دور الحفاظ علي حماس هذه الكفاءات لضمان استمرارها بالاضافة الي تحسين مؤشرات الأداء و رفع الانتاجية.

2024/6/27

نشر بواسطة : هوّز

وهذا التأثير إما أن يكون سلبي أو إيجابي ناتج عن وعي أو غير وعي من الفرد. يوضح علم الاقتصاد السلوكي أن الأفراد غير عقلانيين في عملية اتخاذهم للقرارات وانهم عرضه للعديد من التحيزات (المؤثرات النفسية والخارجية [1]، فمبدأ العقلانية المحدودة [2] (Bounded Rationality) على سبيل المثال يوضح أن الفرد لديه قدرة محدودة على التفكير والتحليل ويتأثر بتوافر المعلومات وطريقة عرضها. فالقرار لمرة واحدة (مثل شراء منزل العائلة يحتاج الى جهد وإلمام بجميع المعلومات ويختلف عن القرارات المتكررة (العادات) كونها متكررة ولا تحتاج إلى جهد في اتخاذ القرار.

كما أن المؤثرات النفسية (Cognitive Biases) متعددة ومختلفة من فرد إلى آخر بناء على العديد من المتغيرات في القرارات المالية على سبيل المثال. نتأثر بالمعلومة التي تؤكد أو تدعم معلومات مسبقة لدينا، كخيار الاستثمار في أسهم إحدى الشركات دون الأخرى أو تفضيل الادخار على الاستثمار كونه أقل خطورة (Conformation Bias)[3]، أو تأجيل الادخار مقابل استهلاك لحظي (Present Bias). كما يمكن للثقة المفرطة بقرارنا المالي أن تؤثر على تقدير خطورة بعض الاستثمارات (Overconfidence Bias)[4] وبالتالي تحقيق نتائج غير مرغوبة على المدى البعيد

يعتقد البعض من صانعي القرار بأن توفير المعلومات المتعلقة بالأنظمة أو البرامج والخدمات المالية (مثل: الادخار والاستثمار وغيرها من خلال القنوات الرقمية أو التقليدية يساهم في فهم الأفراد للمعلومة واتخاذهم القرارات بناءً عليها، فيما أوضحت العديد من دراسات علم الاقتصاد السلوكي، أن مجرد توافر مجموعة كبيرة من المعلومات لا يضمن فهم الأفراد لها وبالتالي اتخاذ قرارات مالية سليمة أجرت وحدة الاقتصاد السلوكي في بريطانيا. تجربة بالتعاون مع أحد الجهات الحكومية ركزت فيها على كيفية عرض المعلومة، وصياغتها، وعلاقتها بفهم المستفيدين للمعلومة وقدرتهم على تطبيقها في الواقع بالإضافة إلى قياس مدى ثقة الأفراد بالجهة المقدمة للمعلومة والتي ترتبط بوضوح المعلومات وآلية عرضها، وقد اتضح من خلال التجربة أن تبسيط عرض المعلومات بإضافة الرسوم والأشكال التوضيحية مع إدراج أمثلة من واقع الحياة اليومية ساهم في رفع نسبة فهم المعلومة وزيادة معدل الثقة بالجهة المقدمة للمعلومة الى (19%) مقارنة بالعينة الضابطة [5]

اذاً. كيف يساهم علم الاقتصاد السلوكي او السياسات السلوكية في تصميم برامج تساعد على اتخاذ قرار مالي سليم

يتضمن علم الاقتصاد السلوكي العديد من النظريات والدراسات في تغيير السلوك ويعتمد على اختيار التدخلات على عينة من الفئة المستهدفة قبل تطبيقها على نطاق أوسع وذلك توفيرا للتكلفة والوقت والجهد وفهم تأثيرها بشكل علمي مدروس ومن ثم عرضها على صناع القرار . معظم أدوات ومنهجيات تغيير السلوك المطبقة في علم الاقتصاد السلوكي مبنية على فهم تلك التحيزات النفسية (Cognitive Biases) مثل منهجية – MIND [6] SPACE. كما أن تطبيق هذه المنهجيات نتج عنه عدة توصيات رئيسية لكيفية تصميم التدخلات السلوكية في المجال المالي، منها:
  • توضيح وتبسيط المعلومات المالية
طبقت وحدة الاقتصاد السلوكي في أستراليا تجربة عملت فيها على تغيير صياغة معلومات فاتورة الكهرباء للمنازل معدل الاستهلاك الشهري ومقدار الادخار المتوقع في حال تم خفض الاستهلاك وقياس تأثيرها على ثقة الأفراد بالمعلومة وقراراتهم لتغيير خططهم، أوضحت النتائج ارتفاع معدل الثقة بالمعلومات بنسبة (13%) [7]
  • ربط السلوك بالمجتمع

تستخدم المقارنات الاجتماعية بهدف توضيح انتشار السلوك في المجتمع، إحدى شركات الكهرباء في أوروبا قامت بالتعديل على صياغة فاتورة الكهرباء ومقارنة معدل استهلاك الكهرباء للمنزل مع منازل الحي. مما نتج عنه انخفاض في معدل استهلاك الكهرباء بنسبة (2%) وقد تبدو نسبة ضئيلة إلا أن لها تأثير كبير في التقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (أكثر من 450.000 طن بما يعادل 75 مليون دولار من توفير الطاقة [8].

  • اختيار الوقت المناسب لتشجيع الادخار
عامل الوقت مهم في تغيير السلوك كالادخار في بداية الشهر تزامناً مع نزول الراتب الشهري أو الإنفاق غير المخطط له أثناء التسوق. إحدى تجارب المحاكاة ركزت على الادخار بعد الانتهاء من التسوق، فقد تم تصميم عدة خيارات تتيح للمتسوق ادخار المتبقي من ميزانية الشراء في حال عدم إتفاقه بالكامل. وكانت النتيجة بأن 9 من 10 أشخاص قاموا بادخار المتبقي من الميزانية [9]
  • تقديم حوافز للتشجيع على الادخار
يمكن تفعيل برامج الالتزام في رفع معدل الادخار، لكونها أداة تحث على وضع أهداف محددة وملزمة وقد ترتبط بحوافز مادية أو معنوية) في حال تحقيقها أو غرامات وعقوبات في حال الفشل في الالتزام، فالعديد من برامج الادخار تمنح حوافز عند الالتزام بادخار مبلغ مالي محدد [10]
  • الاهتمام بطرق صياغة المعلومات
في إحدى التجارب لفهم كيف يتم اختيار المحفظة الاستثمارية تم عرض عدة انواع من المحافظ العالية والمنخفضة المخاطر وجد بأن المستثمر يتأثر عند عرض الخسائر المحتملة بالدولار بدلاً من النسب المئوية بغض النظر عن خبراته السابقة [11]

يوجد في المملكة العربية السعودية بعض الأمثلة على برامج ومبادرات لتحفيز الادخار والاستثمار، بالإضافة إلى المبادرات الحكومية المرتبطة برؤية 2030 (مثل: برنامج تطوير القطاع المالي والتي تضمن تعاون عدد من الجهات الحكومية لتحقيق المستهدفات على صعيد الأنظمة والقوانين والسلوكيات الفردية من الأمثلة على البرامج الحكومية المالية منصة “استثمر بوعي المطلقة من قبل تداول، والتي تتضمن عددا من المراحل لتغطية احتياجات مختلف المستفيدين بدءًا من تعلم أساسيات الاستثمار وأهميته، ثم التفاعل من خلال ورش العمل وأصحاب الخبرة، والتطبيق الفعلي للمعلومات المستفادة من خلال التداول الافتراضي، وأخيراً التنافس بين المستثمرين للتشجيع على ممارسة الاستثمار [12].

إذاً، يمكن العمل على تحسين بعض جوانب عملية اتخاذ القرار لدى الأفراد وتوجيهها نحو حاجته الفعلية من خلال معرفة أهم المؤثرات المحيطة به وعرض الخيارات بشكل واضح وليتمكن صناع القرار من تحفيز الأفراد لتحقيق أهدافهم المالية واستحداث أو تحسين البرامج وضمان الاستفادة من المصادر وتقليل التكلفة من خلال تنفيذ الدراسات التي تفهم آلية اتخاذ القرارات.