عند بداية عام جديد أو بعد الخروج من تجربة صعبة، يتخذ كثير منا قرارًا بالتغيّر إلى الأفضل من خلال اكتساب عادات جديدة أو التخلي عن سلوكيات قد تحول بينه وبين تقدمه، سواء من ناحية صحية، أو مالية، أو حتى اجتماعية. لكن، كم مرة نجحنا في الاستمرار على سلوك جديد أو عادة وددنا اكتسابها؟ بالنسبة لكثير منا، ليس دائمًا!
 
يظل سلوك الإنسان معقدًا في أعماقه وإن بدا لنا بسيطا في ظاهره، لذا لا يزال كثير من العلماء يحاولون تفكيك شفرات تغيير السلوك وقياس أبعاده، ومن أولئك (BJ Fogg)، مؤسس (Behavior Design Lab) وعالم السلوك في جامعة ستانفورد، الذي قام بتقديم نموذج يفسر الشروط الأساسية التي يجب توفرها لإحداث أي سلوك، وهي: الدافع، والقدرة، والتلميح. فإذا كنت تتمنى اكتساب عادة صحية كالذهاب إلى النادي كل يوم، أو التأثير على من حولك ودفعهم لاكتساب عادة معينة مثل دفع أبنائك إلى أداء واجباتهم في وقتها، فيجب عليك التأكد حينها من توفر دافع كافٍ لتغيير السلوك الحالي مع التأكد من قدرة الفرد على القيام بالسلوك الجديد ومن ثم التلميح له ودفعه للقيام به.
 
 وقد قام (Dan Ariely)، عالم السلوك والمؤسس الشريك في شركة (BEworks)، بتقديم فهم آخر لسر اكتساب العادات في حديثه على منصة (TED). يقول (Ariely) إنه إذا أردنا تغيير أي سلوك علينا أن نغيّر البيئة أولًا، حيث أن معرفة المعلومات ليست كافية أبدًا للتأثير على سلوك الفرد. فمثلًا، أنا أعرف أن أكل ثلاثة ألواح من الشوكولاتة غير صحية وستؤثر سلبًا على صحتي خلال السنوات القادمة، ولكن هل معرفة هذه المعلومة توقفني عن أكل هذه الألواح الثلاثة في منتصف يوم شاق؟ لا أظن ذلك، اذًا ما الذي يؤثر؟ يقترح (Ariely) التركيز على أمرين:
 
  1.  تقليل المقاومة:
يُقصد هنا استبعاد وتقليل كل الصعوبات التي تقف في وجه هذا التغيير من أجل أن يصبح سهل التطبيق. مثلًا، إذا كان الهدف هو تشجيع الموظفين على تخزين ملفات العملاء بطريقة محددة، فعليك التأكد من أن جميع الاحتياجات للقيام بهذه المهمة سهلة الوصول وفي مكان واحد، مثل النماذج التي يجب تعبئتها، الملفات التي ستوضع فيها، وما إلى ذلك. أو بمثال آخر، إذا كان الهدف هو ممارسة الرياضة بانتظام، تأكد أن المكان الخاص لممارسة الرياضة سهل الوصول، وليس بعيدًا في الجهة الأخرى من المدينة.
 
وقد لا يكون استبعاد كافة المصاعب أو المعوقات أمرًا سهلًا، لذلك، فإن تقليل المقاومة يعني أن تجعل السلوك الجديد يبدو مساويًا للسلوك القديم من حيث المخاطر والفوائد والجهد.
 
ولكن، إذا كان لديك خياران متساويان في الجهد أو التكلفة، قد لا يكون هذا كافيًا لتحفيزك لاختيار أحدهما، أو حتى اختيار أي منهما بالأساس، ومن هذا المنطلق يكشف (Ariely) الجزء الثاني من السر وهو توفير المحفزات، والذي بإمكانه أن يقلب معادلة تغيير السلوك.
 
  1. توفير المحفزات: 
إيجاد المحفز الأفضل هي مهمة ليست بالسهلة كما وصف (Ariely) ولكن، من أجل الحصول على أفضل النتائج، يجب على الفرد أن يكون مستعدًا لبذل الجهد الكافي للبحث عن المحفز الأكثر تأثيرًا، وفي حال بدأ بمحفز جيد، ثم لاحظ أن هذا المحفز لم يعد فعالًا، يجب أن يكون مستعدًا للتغيير.
 
في تجربة ذكرها (Ariely) أجريت في جنوب أفريقيا لمساعدة الأفراد ذوي الدخل المحدود على ادخار المال تدريجيّا لتحسين تعاملهم مع الظروف المالية المفاجئة، اتضح أن الحافز الأكثر تأثيرًا كان متابعة ادخارهم اليومي من خلال كشط علامة على عملة معدنية، ويرى (Ariely) أن فاعلية هذا المحفز تكمن في أنه جعل من الفعل المخفي، وهو ادخار المال للمستقبل، محفزًا لحظيًا ملموسًا. وبنفس الطريقة، يحتاج الأفراد وسيلة محددة لمتابعة تقدمهم في اكتساب أي سلوك جديد ورؤية تأثير جهدهم وقراراتهم. وهذا يتماشى مع ما تخبرنا به معظم الأبحاث التي تدرس سلوك الأفراد، والتي تؤكد أن أعظم ما يسعى له الإنسان هو معرفة الغاية.
 
إذًا، إن كنت مهتمًا بتغيير عاداتك أو التأثير على سلوك الأفراد من حولك، ستجد الكثير من الإجابات في علم السلوك الذي يشرح أسرار تغيير السلوك ومفاتيح اكتساب العادات الجديدة، بالإضافة إلى تفسير عمليات اتخاذ القرار وتقديم خطوات عملية لتحسينها. ومن خلال النماذج السابقة، أصبحت عملية تبني السلوك الجديد أكثر بساطةً ووضوحًا، وأكثر قابلية للتحقيق.